تقريرٌ مفصّل عن عمليّة الانتخابات البلدية ليوم 27 نوفمبر 2021
من المُعتاد مُنذُ حوالَي أكثرَ من ثلاثة عقود من الزمن توَلِّي مجلس أعيان آت يسجن الإشرافَ على عمليّة انتخاب مُمثلي البلدةِ في المجالس المُنتخبة المحليّة وقد تطوّرَت طُرُق انتقائهم عبرَ الزّمن إلى أن تمَّ تقنينُ عمليّةِ التّرشيحات في نصٍّ قانوني يُدعى “دليلُ الانتخابات”.
وتنفيذا لأحكام هذا النصّ، نَصَّبَ المجلسُ ،يوم 04 سبتمبر 2021، اللَّجنَةَ المُشرِفَةَ على الانتخابات إيذانا بانطلاق عمليّة التّرشيحات.
وقد جَرَتِ العمليّةُ في شفافيّةٍ تامّةٍ وأسفرتِ الجمعيّةُ العامّة الانتخابيّةُ عن قائمةٍ تَضُمُّ سبعةَ عشرَ مُرشّحا للمجلس البلدي أُطلِق عليها اسم “قائمةُ أسيرم“.
كانت لَجنَةُ التّرشيحاتِ، كُلَّما وافَقَ مُرشّحٌ على خوض عمليّة الانتخابات، تشتَرِطُ عليه توقيعَ وثيقةِ اتّفاق بَينهُ وبين المجلسِ تَتضمَّنُ واجباتِ المجلس نحوَهُ، من جٍهة، وواجباتِه نحو المجلس من جِهة أُخرى، في حالة الفوز.
وقد وقّعَ كلُّ المرشّحين السّبعة عشر هذه الوثيقةَ بعد الاطلاعِ عليها مِمَّا جعلَ المجلسَ يَشرعُ في تأطير الحَملةِ الانتخابيّة والتكفّلِ بكُلِّ مَصاريفِها إلى يوم الاقتراع تنفيذا لبُنود هذه الاتّفاقيّة.
ومِن أهّمِّ بُنود هذه الوثيقة ،التزام المُرشّح باحترام مُخرجات الجمعيّة العامَّة الانتخابيّة بِما فيها تعيينُ المُرشّحِ لرئاسَةِ المجلسِ البلدي وظهيريْه.
جَرَت الحملةُ الانتخابيّةُ في جوٍّ مُفعَمٍ بالتّفاؤلِ، وسادَهُ تنسيقٌ مُحكَمٌ بين المُرشّحين إلى آخر يوم منها. لكن مع الأسفِ الشديد لَمْ تُؤتِ أُكلَها يومَ الاقتراع، إذ أنَّ مُشاركةَ المواطنين كانت جِدُّ ضعيفة، لم تتجاوز 28% رغم ما حَظينا به بعد الانتخابات التشريعيّة من انتخاب ابن البلدة رئيساً للمجلس الشعبي الوطني، مِمَّا كان مُفترضا أن يكونَ حافزاً كبيراً لتغيير موقف المواطن اليسجني من الانتخابات.
وكانت هذه النتيجةُ هي الصّدمة الأولى في هذه الانتخابات والسببُ الرئيسُ في كلِّ ما وقع لاحقا.
فكان لهذا العزوفِ عن المشاركة أثرُه البالِغُ في عدم الفوز بأغلبيّةِ مقاعِد المجلس البلدي حيث تحصّلت قائمةُ المجلس “أسيرم” على ثمانيةِ مقاعدَ (08) من أصل تسعة عشر (19) بنسبة 42.11%..
قائمةُ الفائزين بالتّرتيب حسبَ عدد الأصوات المتحصّل عليها يوم الاقتراع:
سبع محمد – خيرون بالحاج – عثمان يوسف – طلاي جابر – بزملال جابر – بزملال محمد – عباس الحاج محمد – عمي موسى عيسى.
ونظرا لفوز القائمة المُنافسة من بنورة على سبعة مقاعدَ (07) بنسبة 36.84%، وبناءً على أحكام قانون الانتخابات الذي ينُصُّ على ما يلي:
” في حالة عَدَمِ حُصولِ أيّ قائمة على الأغلبيّةِ المُطلقة للمقاعد، يُمكنُ للقائمتَيْنِ الحائزتَيْنِ على خمسة وثلاثين في المئة (35%) على الأقلّ من المقاعد تقديمُ مُرشّح لرئاسة المجلس البلدي”
أصبح يَحِقُّ لقائمة قصر بنورة ترشيحُ أحدِ أعضائها لرئاسَة المجلس البلدي.
لقد عَقَد مجلسُ أعيان آت يسجن ، خِلال الحَملةِ الانتخابيّة ثلاثَةَ لقاءاتٍ تنسيقيّةٍ مع أعيان قصر بنورة، لكن لم يَتِم خلالَها الفَصلُ نهائيّا في موضوع رئاسةِ المجلس البلدي، وإنَّما كان يُفهَمُ من تصريحاتهم (عن صدق نيّة أو عن غيرها، الله أعلم) أنّ أعيانَ قصر بنورة غيرُ راغبين في ترشيح أحدِ مُرشّحيهم لرئاسةِ المجلس.
مُباشرةً بعد يوم الاقتراع عقد المجلسُ، يوم 30 نوفمبر، لقاءً مع أعيان قصر بنورة للتأكُّدِ من تصريحاتهم خلالَ الحملة، لكن مع الأسف الشديد، فاجأوا المجلسَ بتمسّكِهم بأحقيّة متصدّر قائمتهم في الترشّح لرئاسة المجلس البلدي، مبرّرين موقفَهم بأنّ ذلك هو طلب الفائزين من قائمتهم وأنّ مجلسَهم لم يَعُد يَتحكَّمُ فيهم، وبالتالي لنْ يستطيعَ إقناعَهم بالعُذول عن هذا الطّلب، وطلبوا إمهالَهم إلى يوم الثالث من ديسمبر القادم، للقيام بمُحاولةٍ جديدةٍ مع متصدّر قائمتِهم لإقناعه بالتّنازُل عن موقفِه.
أمام هذا الموقف، أصبح المجلسُ مضطرّاً للتّحالفِ مع الفائزين من قائمة سيدي اعباز للفوز بمنصب رئاسة المجلس البلدي.
يوم الخميس 02 ديسمبر عقد المجلسُ جلسةَ عملٍ مع الفائزين اليسجنيّين الثمانيّة لإخبارهم بموقف أعيان قصر بنورة ولمناقشة الموضوع واتخاذ التدابير اللّازمة، فكان أن طرحَ أحدُ الأعضاءِ موضوعَ التأكُّد من اتّحادِ الأعضاءِ الثمانيّة واستعدادِهم للانتخاب لصالح مُرشّح آت يسجن السيّد سبع محمد، فأكَّد جميعُهم ذلك، مُستغربين من طرحِ مثلِ هذا التساؤل. كما تمَّ في هذا اللقاءِ السماحُ للأعضاء الثمانيّة بالقيام بالتّفاوض سرّاً مع الفائزين من قائمة سيدي اعباز لتعزيز الاتّصالات التي يُجريها بعضُ أعضاء مجلس الأعيان سرّاً، والتي بموجِبها قد وعَدَ اثنان منهم بالوقوف إلى جانب مُرشّح آت يسجن.
كان جوابُ أعيانِ قصر بنورة يوم الجمعة 03 ديسمبر نفسَ جوابِهم في لقاء يوم 30 نوفمبر، أي لَمْ ينجحوا في إقناع مُرشّحيهم من التّنازُل عن الترشّح لرئاسة المجلسِ البلدي.
تمَّ تنصيبُ المجلس البلدي الجديد يوم الأحد 05 ديسمبر بقرّ البلدية، وكان من المُفترض إجراءُ عمليّة انتخاب رئيس الجلس في نفس الجلسة لكنّ أعضاءَ قائمة قصر بنورة طالبوا بتأجيلها عملا بأحكام قانون الانتخابات الذي يُحدِّدُ آجالَ انتخاب الرئيس بخمسة أيام بعد تنصيب المجلس.
عقدَ المجلسُ جلسةَ انتخاب الرئيس يوم الثلاثاء 07 ديسمبر فكانت الصّدمة الثانية:
تسعة (09) أصوات لمُرشّح بنورة .
سبعة (07) أصوات لمُرشّح آت يسجن
ثلاثة (03) أصوات مُلغاة (ظرف فارغ)
أي أنّ حُصولَ مُرشّح آت يسجن على سَبعة أصوات فقط، يعني أنّ أحدَ اليسجنيّين الثمانيّة لم يُصوِّت على مُرشّح آت يسجن، وهذا في حالة ما إن لم يُصوِّت أيّ واحد من أعضاء سيدي اعباز عليه.
كان وقعُ الصّدمة جِدُّ مؤثّراً، ليس من جرّاء عدم فوز مُرشّح آت يسجن، بقدر ما هو من جرّاءِ عدمِ انتخابِ أحدِ اليسجنيّين على مُرشّح البلدة.
وكانت هذه هي الصّدمة الثانيّة في هذه الانتخابات.
أمام هذه النكبَةِ، فضَّلَ المجلسُ تأجيلَ عقدِ لقاءٍ مع المُرشّحين بِضعةَ أيامٍ قصدَ السّماح للوقت بامتِصاص الغضب والتّخفيف من حِدِّة الانفِعال. فكان أن دعا المجلسُ كلَّ المرشّحين السّبعة عشر إلى لقاءٍ تقييميّ يوم الثلاثاء 14 ديسمبر.
في كلمته الافتتاحية دعا رئيسُ المجلس الحاضرين إلى النظر إلى المستقبل والعمل على رفع التحدّي بالتكفّل بشؤون البلدة رغمَ كلِّ ما وقع حيث أنَّ رئاسة المجلس ليست هي الغاية في حدِّ ذاتها.
لكن لم يستَسِغ المُرشّحون هذا الحديثَ فعبّرَ مُعظَمُهم عن خيبةِ أملهم في تصرّف أحدِ الفائزين الثمانيّة بنقض الاتفاقيّة التي أمضاها مع المجلس، مؤكِّدين على أنّ إبقاؤَه مجهولا يفتحُ البابَ لكلِّ التأويلاتِ ويضعُ الأعضاء الثمانيّة بالتّساوي في موضع شكٍّ وريبة، ولا يُمكنهم بتاتا العملُ معاً في مثل هذه الظروف.
بعد نقاشٍ طويل ومُستفيض، اتّفق الجميعُ على أن يَعقِدَ الأعضاءُ الثمانيّة جلسةً مُغلقةً بينهم يتِمُّ فيها قَسَمُ كلِّ واحدٍ على المُصحفِ الشّريف بأنّهُ انتخبَ على مُرشّح البلدة، و قبلَ رفع الجلسة طلب الرئيسُ من كلّ واحدٍ من الثمانيّة تأكيدَ موافقتِهم على الاتفاق واستعدادهم لحُضور اللقاء، فأكّدوا جميعُهم ذلك.
عُقِد لقاءُ القَسم أُمسيّة الخميس 16 ديسمبر، وحضرهُ ستة أعضاء: سبع محمد – خيرون بالحاج – عثمان يوسف – طلاي جابر – بزملال محمد – عمي موسى عيسى.
وغاب عنه اثنان.
يُستنتجُ مِمَّا تقدّمَ، أنّ الأصواتَ الثلاثةَ المُلغاةَ في انتخاب رئيس البلديّة، كان اثنان منهُما لأعضاءِ آت يسجن وواحد لأعضاء سيدي اعباز.
عقدَ رئيسُ مجلس الأعيان غداة ذلك اليوم لقاءً مع أحدِ الغائبَيْنِ عن لقاء القَسَم، للاستفسار معه عن سبب غيابِه، فاعترف له خلالَهُ أنّهُ لم ينتخِب على مُرشّح البلدة وأنّهُ امتنع عن التصويت بغِلاف فارغ. وعن سبب اتخاذ هذا الموقف، ادّعى ” أنّ مُرشّح البلدة (سبع محمد) لم يُعِرْه أيّ اهتمام حيث بلغَه أنّهُ ينوي تعيينَ نوّاب غيرَ المتّفق عليهما في القائمة وأنّهُ ليس من بينهم”
وعن سؤالٍ حول صحّة اتّفاقِه مُسبَقا مع زميله، على نقض الاتّفاقيّة التي أمضياها مع مجلس الأعيان والامتناع عن التصويت قصد السماح لمُرشّح بنورة بالفوز بمنصب رئاسة المجلس، صرّح أنّهُ لم يتّفق مُسبَقا مع أحدٍ وأنّ زميله قد أخبره بامتِناعِه هو أيضا عن التصويت لصالح مُرشّح البلدة بعد جلسة الانتخاب.
لكن ما يُفنِّد هذا أنّ المعني أخبَر رئيس مجلسَ الأعيان في نفس الجلسة، أنّه يتفاوض حاليا مع رئيس المجلس البلدي الجديد (عاشور محمد) للحصول على منصب نيّابة له. حاول الرئيسُ قدر الإمكان إقناعَه بخطورة اتّخاذ مِثل هذا الموقف وبالعدول عن ذلك، لكن بناءً على إصرار المعني، بدا له أنّ الأمرَ كان مدبّراً وأنّ الاتّفاق كان مُبرماً من قبلُ.
وفعلا اتّضح ذلك جليّا في جلسة المجلس البلدي المخصّصة لتعيين نُوّاب الرئيس، حيث كافأ الرئيسُ الجديد المُمتنِعَيْنِ عن التصويت في انتخاب الرئيس، بمنصب نائب الرئيس بالنسبة لأحدهما وبمنصب مندوب قصر آت يسجن بالنسبة للثاني.
وكانت هذه هي الصّدمة الثالثة في هذه الانتخابات البلدية.
عقدَ مجلسُ الأعيان جلسةً مطوّلة للاطّلاع على التفاصيل والمستجدّات في موضوع هذه الانتخابات ودراسة الوضع، فقرّر ما يلي :
- التنديدُ الشّديد بتصرّف عُضوين من قائمة أسيرم واعتبار أنّ ما وقع من تجاوزات ونقض للعهود، أمرٌ خطيرٌ جِدّاً لا يمتُّ بقيم مجتمعنا بتاتا بصلة، وستكونُ له تداعياتٌ لا محالة في المستقبل.
- التأسّفُ الشديد من استغلال البعض لحُسن نيّة المجلسِ ورغبتِه في لمِّ الشمل قصد الاستفادة من مزايا شخصيّة.
- التعبيرُ عن مُساندته التامّة لأعضاء المجلس البلدي اليسجنيّين الستّة والوقوف بجانبهم لمُواصلة مهامِّهم وِفق ما يسمحُ لهم بذلك قانون البلديّة.
- دعوة المُرشّحين الخمسة عشر من قائمة “أسيرم” لمأدبة عشاءٍ في أقرب الآجالِ، قصد التعبير لهم عن شكر المجلس وامتنانه لقبولهم الترشيح لهذه الانتخابات، وإبداء استعدادهم لتحمّل مسؤوليّة تسيير الشأن العام.
- توثيقُ كلّ ما جرى في تقرير مفصّل عن العمليّة منذُ بدايتها إلى نهايتها، ليبقى شاهدا في ذاكرة البلدة.
- مٌوافاةُ الهيئة الدينية بنُسخة من التّقرير مُرفقة بطلب اتّخاذ الموقف الذي تراه مناسباً وِفقَ منظور الشّرع الإسلامي الحنيف، حول ما جرى من نقض للعهد على أعلى مُستوى من المسؤوليات في البلدة.
- موافاةُ الهيئات العُرفيّة للبلدة بنُسخة من التقرير على سبيل الاطلاع.
صادقَ مجلسُ الأعيان على هذا التقرير بالإجماع في جلسته يوم الثلاثاء 11 جانفي 2022. وأذن لرئيسه بتوقيعه.
السلام عليكم
تجربة رائعة يجب تحليلها تحليلا علميا دقيقا وإسقاطها على نظم وسير آت امزاب واستخلاص الدروس والعبر فيما ينشر الطمأنينة والسلم ويرقي التنممية الإقتصادية المحلية ويعزز التضامن والتنمية الإجتماعية.
محمد تونسي
رئيس أعيان سابقا آتمليشت